فصل: باب هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الْهِجْرَةِ

وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الهجرة‏)‏ بكسر الهاء وسكون الجيم، أي ترك الشخص مكالمة الأخر إذا تلاقيا، وهي في الأصل الترك فعلا كان أو قولا، وليس المراد بها مفارقة الوطن فإن تلك تقدم حكمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال‏)‏ قد وصله في الباب عن أبي أيوب، وأراد هنا أن يبين أن عمومه مخصوص بمن هجر أخاه بغير موجب لذلك، قال النووي قال العلماء تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص وتباح في الثلاث بالمفهوم، وإنما عفي عنه في ذلك لأن الآدمي مجبول على الغضب، فسومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارض‏.‏

وقال أبو العباس القرطبي‏:‏ المعتبر ثلاث ليال، حتى لو بدأ بالهجرة في أثناء النهار ألغي البعض وتعتبر ذلك ليلة اليوم، وينقضي العفو بانقضاء الليلة الثالثة‏.‏

قلت‏:‏ وفي الجزم باعتبار الليالي دون الأيام جمود، وقد مضى في ‏"‏ باب ما نهي عن التحاسد ‏"‏ في رواية شعيب في حديث أبي أيوب بلفظ ‏"‏ ثلاثة أيام ‏"‏ فالمعتمد أن المرخص فيه ثلاثة أيام بلياليها، فحيث أطلقت الليالي أريد بأيامها وحيث أطلقت الأيام أريد بلياليها، ويكون الاعتبار مضي ثلاثة أيام بلياليها ملفقة، إذا ابتدئت مثلا من الظهر يوم السبت كان آخرها الظهر يوم الثلاثاء، ويحتمل أن يلغي الكسر، ويكون أول العدد من ابتداء اليوم أو الليلة، والأول أحوط‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الطُّفَيْلِ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ وَهُوَ ابْنُ أَخِي عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّهَا أَنَّ عَائِشَةَ حُدِّثَتْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا فَقَالَتْ أَهُوَ قَالَ هَذَا قَالُوا نَعَمْ قَالَتْ هُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لَا أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَداً فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا حِينَ طَالَتْ الْهِجْرَةُ فَقَالَتْ لَا وَاللَّهِ لَا أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَداً وَلَا أَتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِي فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ كَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَهُمَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَقَالَ لَهُمَا أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ لَمَّا أَدْخَلْتُمَانِي عَلَى عَائِشَةَ فَإِنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذِرَ قَطِيعَتِي فَأَقْبَلَ بِهِ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأَرْدِيَتِهِمَا حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَا السَّلَامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ أَنَدْخُلُ قَالَتْ عَائِشَةُ ادْخُلُوا قَالُوا كُلُّنَا قَالَتْ نَعَم ادْخُلُوا كُلُّكُمْ وَلَا تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحِجَابَ فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِي وَطَفِقَ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا إِلَّا مَا كَلَّمَتْهُ وَقَبِلَتْ مِنْهُ وَيَقُولَانِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنْ الْهِجْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنْ التَّذْكِرَةِ وَالتَّحْرِيجِ طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا نَذْرَهَا وَتَبْكِي وَتَقُولُ إِنِّي نَذَرْتُ وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ فَلَمْ يَزَالَا بِهَا حَتَّى كَلَّمَتْ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا

الشرح‏:‏

فيه عن ثلاثة من الصحابة شيء مرفوع وباقيه عنهم وعن رابع موقوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عوف بن الطفيل وهو ابن أخي عائشة‏)‏ كذا عند النسفي وأبي ذر، وعند غيرهما وكذا أخرجه أحمد عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه فقال ‏"‏ عوف بن مالك بن الطفيل، وهو ابن أخي عـائشة لأمهـا ‏"‏ وقـد أخـرجـه الإسمـاعيلي من طـريق علي بن المـديني من روايـة الأوزاعي وصالح بن كيسان ومعمر ثلاثتهم عن الزهري، ففي رواية الأوزاعي عنه ‏"‏ حدثني الطفيل بن الحارث وكان من أزد شنوءة وكان أخا لها من أمها أم رومان ‏"‏ وفي رواية صالح عنه ‏"‏ حدثني عوف بن الطفيل بن الحارث وهو ابن أخي عائشة لأمها ‏"‏ وفي رواية معمر ‏"‏ عوف بن الحارث بن الطفيل ‏"‏ قال علي بن المديني‏:‏ هكذا اختلفوا والصواب عندي وهو المعروف عوف بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة يعني بفتح المهملة والموحدة بينهما معجمة ساكنة، قال‏:‏ والطفيل أبوه هو الذي روى عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عنه، يعني حديث ‏"‏ لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ‏"‏ أخرجه النسائي وابن ماجه، وكذا أخرج أحمد طريق معمر والأوزاعي‏.‏

وقال إبراهيم الحربي في ‏"‏ كتاب النهي عن الهجران ‏"‏ بعد أن أورد من طريق معمر وشعيب وصالح والأوزاعي كما تقدم، ومن طريق عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري عن عوف بن الحارث بن الطفيل، ومن طريق النعمان بن راشد عن الزهري عن عروة عن المسور‏:‏ هذا وهم، قال‏:‏ وكذا وهم الأوزاعي في قوله الطفيل بن الحارث وصالح في قوله عوف بن الطفيل بن الحارث، وأصاب معمر وعبد الرحمن بن خالد في قولهما عوف بن الحارث بن الطفيل، كذا قال، ثم قال‏:‏ الذي عندي أن الحارث بن سخبرة الأزدي قدم مكة ومعه امرأته أم رومان بنت عامر الكنانية فخالف أبا بكر الصديق، ثم مات فخلف أبو بكر على أم رومان فولدت له عبد الرحمن وعائشة وكان لها من الحارث الطفيل بن الحارث فهو أخو عائشة لأمها، وولد الطفيل بن الحارث عوفا، وله عن عائشة رواية غير هذه، وهو الذي حدث عنه الزهري انتهى‏.‏

فعلى هذا يكون الذي أصاب في تسميته ونسبه صالح بن كيسان، وأما معمر وعبد الرحمن بن خالد فقلباه، والأول هو الذي صوبه علي بن المديني‏.‏

وقد اختلف على الأوزاعي، فالرواية التي ذكرها الحربي عنه هي رواية الوليد بن مسلم، وأخرجه الإسماعيلي من رواية ابن كثير عن الأوزاعي على وفق رواية معمر وابن خالد، وأما شعيب في رواية أحمد فقلب الحارث أيضا فسماه مالكا، وحذفه في رواية أبي ذر فأصاب وسكت عن تسمية جده، وقد أخرج البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ رواية عبد الرحمن بن خالد كذلك‏.‏

وإذا تحرر ذلك ظهر أن الذي جزم به ابن الأثير في ‏"‏ جامع الأصول ‏"‏ من أنه عوف بن مالك بن الطفيل ليس بجيد، والاختلاف المذكور كله في تحرير اسم الراوي هنا عن عائشة ونسبه إلا رواية النعمان بن راشد فإنها شاذة، لأنه قلب شيخ الزهري فجعله عروة بن الزبير والمحفوظ رواية الجماعة، على أن للخبر من رواية عروة أصلا كما تقدم في أوائل مناقب قريش لكنه من غير رواية الزهري عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عائشة حدثت‏)‏ كذا للأكثر بضم أوله وبحذف المفعول، ووقع في رواية الأصيلي ‏"‏ حدثته ‏"‏ والأول أصح، ويؤيده أن في رواية الأوزاعي ‏"‏ أن عائشة بلغها‏"‏، ووقع في رواية معمر على الوجهين، ووقع في رواية صالح أيضا ‏"‏ حدثته‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في بيع أو عطاء أعطته عائشة‏)‏ في رواية الأوزاعي ‏"‏ في دار لها باعتها، فسخط عبد الله ابن الزبير بيع تلك الدار‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لتنتهين عائشة‏)‏ زاد في رواية الأوزاعي ‏"‏ فقال‏:‏ أما والله لتنتهين عائشة عن بيع رباعها ‏"‏ وهذا مفسر لما أبهم في رواية غيره، وكذا لما تقدم في مناقب قريش من طريق عروة قال ‏"‏ كانت عائشة لا تمسك شيئا، فما جاءها من رزق الله تصدقت به ‏"‏ وهذا لا يخالف الذي هنا لأنه يحتمل أن تكون باعت الرباع لتتصدق بثمنها، وقوله ‏"‏لتنتهين أو لأحجرن عليها ‏"‏ هذا أيضا يفسر قوله في رواية عروة ‏"‏ ينبغي أن يؤخذ على يدها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا‏)‏ في رواية عبد الرحمن بن خالد ‏"‏ كلمة أبدا ‏"‏ وفي رواية معمر ‏"‏ بكلمة ‏"‏ وفي رواية الإسماعيلي من طريق الأوزاعي بدل قوله أبدا ‏"‏ حتى يفرق الموت بيني وبينه ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ قولها ‏"‏ أن لا أكلم ‏"‏ تقديره علي نذر إن كلمته ا هـ‏.‏

ووقع في بعض الروايات بحذف ‏"‏ لا ‏"‏ وشرح عليها الكرماني وضبطها بالكسر بصيغة الشرط قال‏:‏ وهو الموافق للرواية المتقدمة في مناقب قريش بلفظ ‏"‏ لله علي نذر إن كلمته ‏"‏ فعلى هذا يكون النذر معلقا على كلامه لا أنها نذرت ترك كلامه ناجزا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة‏)‏ كذا للأكثر، ووقع في رواية السرخسي والمستملي ‏"‏ حتى ‏"‏ بدل ‏"‏ حين ‏"‏ والأول الصواب، ووقع في رواية معمر على الصواب، زاد في رواية الأوزاعي ‏"‏ فطالت هجرتها إياه فنقصه الله بذلك في أمره كله، فاستشفع بكل جدير أنها تقبل عليه ‏"‏ في الرواية الأخرى عنه ‏"‏ فاستشفع عليها بالناس فلم تقبل ‏"‏ وفي رواية عبد الرحمن بن خالد ‏"‏ فاستشفع ابن الزبير بالمهاجرين ‏"‏ وقد أخرج إبراهيم الحربي من طريق حميد بن قيس بن عبد الله بن الزبير قال فذكر نحو هذه القصة قال ‏"‏ فاستشفع إليها بعبيد بن عمير فقال لها‏:‏ أين حديث أخبرتنيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصوم فوق ثلاث‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالت لا ولله لا أشفع‏)‏ بكسر الفاء الثقيلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيه أحدا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أبدا ‏"‏ بدل قوله ‏"‏ أحدا ‏"‏ وجمع بين اللفظين في رواية عبد الرحمن بن خالد وكذا في رواية معمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا أتحنث إلى نذري‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ ولا أحنث في نذري ‏"‏ وفي رواية الأوزاعي ‏"‏ فقالت والله لا آثم فيه ‏"‏ أي في نذرها أو في ابن الزبير وتكون في سببية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زهرة‏)‏ أما المسور فهو ابن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن زهرة بن كلاب، وأما عبد الرحمن فجده يغوث بفتح التحتانية وضم المعجمة وسكون الواو بعدها مثلثة وهو ابن وهيب بن عبد مناف بن زهرة، يجتمع مع المسور في عبد مناف بن زهرة، ووهيب وأهيب أخوان، ومات الأسود قبل الهجرة ولم يسلم، ومات النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن صغير فذكر في الصحابة، وله في البخاري غير هذا الموضع حديث عن أبي بن كعب سيأتي قريبا، ووقع في رواية عروة المتقدمة ‏"‏ فاستشفع إليها برجال من قريش وبأخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ‏"‏ وقد بينت هناك معنى هذه الخؤولة وصفة قرابة بني زهرة برسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أبيه وأمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنشدكما بالله لما‏)‏ بالتخفيف و ‏"‏ ما ‏"‏ زائدة ويجوز التشديد حكاه عياض، يعني ألا، أي لا أطلب إلا الإدخال عليها، ونظره بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏لما جميع لدينا محضرون‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏لما عليها حافظ‏)‏ فقد قرنا بالوجهين‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ ألا أدخلتماني ‏"‏ زاد الأوزاعي فسألهما أن يشتملا عليه بأرديتهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنها‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فإنه ‏"‏ والهاء ضمير الشأن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يحل لها أن تنذر قطيعتي‏)‏ لأنه كان ابن أختها وهي التي كانت تتولى تربيته غالبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالا السلام عليك ورحمة الله وبركاته‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ فقالا السلام على النبي ورحمة الله ‏"‏ فيحتمل أن تكون الكاف في الأول مفتوحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أندخل‏؟‏ قالت‏:‏ نعم‏.‏

قالوا‏:‏ كلنا‏؟‏ قالت‏:‏ نعم‏)‏ في رواية الأوزاعي ‏"‏ قالا‏:‏ ومن معنا‏؟‏ قالت‏:‏ ومن معكما‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي‏)‏ في رواية الأوزاعي ‏"‏ فبكى إليها وبكت إليه وقبلها ‏"‏ وفي روايته الأخرى عند الإسماعيلي ‏"‏ وناشدها ابن الزبير الله والرحم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقولان إن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عما قد علمت من الهجرة وإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ أنه لا يحل ‏"‏ بحذف الواو وهو كالتفسير لما قبله ويؤيد ذلك ورود الحديث مرفوعا من طريق أخرى كحديثي أنس وأبي أيوب اللذين بعده، وهذا القدر هو المرفوع من الحديث، وهو هنا من مسند المسور وعبد الرحمن بن الأسود وعائشة جميعا فإنها أقرتهما على ذلك، وقد غفل أصحاب الأطراف عن ذكره في مسند عبد الرحمن بن الأسود لكونه مرسلا، ولكن ذكروا أنظاره فيلزمهم من هذه الحيثية، وله عن عائشة طريق أخرى تقدم بيانها وأنها من رواية حميد بن قيس عن عبيد بن عمير عنها، وأخرجه أيضا أبو داود من طريق أخرى عن عائشة، وجاء المتن عن جماعة كثيرة من الصحابة يزيد بعضهم على بعض كما سأبينه بعد‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ادعى المحب الطبري أن الهجران المنهي عنه ترك السلام إذا التقيا، ولم يقع ذلك من عائشة في حق ابن الزبير، ولا يخفى ما فيه، فإنها حلفت أن لا تكلمه والحالف يحرص على أن لا يحنث، وترك السلام داخل في ترك الكلام، وقد ندمت على سلامها عليه فدل على أنها اعتقدت أنها حنثت، ‏.‏

ويؤيده ما كانت تعتقه في نذرها ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما أكثروا على عائشة من التذكرة‏)‏ أي التذكير بما جاء في فضل صلة الرحم والعفو وكظم الغيظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والتحريج‏)‏ بحاء مهملة ثم الجيم أي الوقوع في الحرج وهو الضيق لما ورد في القطيعة من النهي‏.‏

وفي رواية معمر ‏"‏ التخويف‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير‏)‏ في رواية الأوزاعي ‏"‏ فكلمته بعدما خشي أن لا تكلمه، وقبلت منه بعد أن كادت أن لا تقبل منه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة‏)‏ في رواية الأوزاعي ‏"‏ ثم بعثت إلى اليمن بمال فابتيع لها به أربعون رقبة فأعتقتها كفارة لنذرها ‏"‏ ووقع في رواية عروة المتقدمة ‏"‏ فأرسل إليها بعشر رقاب فأعتقتهم ‏"‏ وظاهره أن عبد الله بن الزبير أرسل إليها بالعشرة أولا، ولا ينافي رواية الباب أن تكون هي اشترت بعد ذلك تمام الأربعين فأعتقتهم، وقد وقع في الرواية الماضية ‏"‏ ثم لم تزل حتى بلغت أربعين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكانت تذكر نذرها‏)‏ في رواية الأوزاعي ‏"‏ قال عوف بن الحارث ثم سمعتها بعد ذلك تذكر نذرها ذلك ‏"‏ ووقع في رواية عروة أنها قالت‏:‏ ‏"‏ وددت أني جعلت حين حلفت عملا فأعمله فأفرغ منه‏"‏، وبينت هناك ما يحتمله كلامها هذا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ

الشرح‏:‏

حديث الزهري عن أنس وعن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب، وقد تقدم حديث أنس في ‏"‏ باب التحاسد ‏"‏ وأراد بإيرادهما معا أنه عند الزهري على الوجهين، لأنه أخرج من طريق مالك عن شيخه، وأول حديث أبي أيوب عنه ‏"‏ لا يحل لرجل ‏"‏ كما علقه أولا وزاد فيه ‏"‏ يلتقيان ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فيلتقيان ‏"‏ بزيادة فاء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب‏)‏ هكذا اتفق أصحاب الزهري، وخالفهم عقيل فقال ‏"‏ عن عطاء بن يزيد عن أبي ‏"‏ وخالفهم كلهم شبيب بن سعيد عن يونس عنه فقال ‏"‏ عن عبيد الله أو عبد الرحمن عن أبي بن كعب ‏"‏ قال إبراهيم الحربي‏:‏ أما شبيب فلم يضبط سنده، وقد ضبطه ابن وهب عن يونس فساقه على الصواب أخرجه مسلم، وأما عقيل فلعله سقط عليه لفظ أيوب فصار عن أبي فنسبه من قبل نفسه فقال ابن كعب فوهم في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوق ثلاث‏)‏ ظاهره إباحة ذلك في الثلاث، وهو من الرفق، لأن الآدمي في طبعه الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك، والغالب أنه يزول أو يقل في الثلاث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام‏)‏ زاد الطبري من طريق أخرى عن الزهري ‏"‏ يسبق إلى الجنة ‏"‏ ولأبي داود بسند صحيح من حديث أبي هريرة ‏"‏ فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه، فإن رد عليه فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم، وخرج المسلم من الهجرة ‏"‏ ولأحمد والمصنف في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ وصححه ابن حبان من حديث هشام بن عامر ‏"‏ فإنهما ناكثان عن الحق ما داما على صرامهما، وأولهما فيئا يكون سبقه كفارة ‏"‏ فذكر نحو حديث أبي هريرة، وزاد في آخره ‏"‏ فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وخيرهما الذي يبدأ بالسلام‏)‏ قال أكثر العلماء‏:‏ تزول الهجرة بمجرد السلام ورده‏.‏

وقال أحمد‏:‏ لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أولا‏.‏

وقال أيضا‏:‏ ترك الكلام إن كان يؤذيه لم تنقطع الهجرة بالسلام‏.‏

وكذا قال ابن القاسم وقال عياض‏:‏ إذا اعتزل كلامه لم تقبل شهادته عليه عندنا ولو سلم عليه، يعني وهذا يؤيد قول ابن القاسم‏.‏

قلت‏:‏ ويمكن الفرق بأن الشهادة يتوقى فيها، وترك المكالمة يشعر بأن في باطنه عليه شيئا فلا تقبل شهادته عليه، وأما زوال الهجرة بالسلام عليه بعد تركه ذلك في الثلاث فليس بممتنع، واستدل للجمهور بما رواه الطبراني من طريق زيد بن وهب عن ابن مسعود في أثناء حديث موقوف وفيه ‏"‏ ورجوعه أن يأتي فيسلم عليه ‏"‏ واستدل بقوله ‏"‏ أخاه ‏"‏ على أن الحكم يختص بالمؤمنين‏.‏

وقال النووي‏:‏ لا حجة في قوله ‏"‏ لا يحل لمسلم ‏"‏ لمن يقول الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، لأن التقييد بالمسلم لكونه الذي يقبل خطاب الشرع وينتفع به‏.‏

وأما التقييد بالأخوة فدال على أن للمسلم أن يهجر الكافر من غير تقييد‏.‏

واستدل بهذه الأحاديث على أن من أعرض عن أخيه المسلم وامتنع من مكالمته والسلام عليه أثم بذلك، لأن نفي الحل يستلزم التحريم، ومرتكب الحرام آثم‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة، فإن كان كذلك جاز، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية‏.‏

وقد استشكل على هذا ما صدر من عائشة في حق ابن الزبير قال ابن التين‏:‏ إنما ينعقد النذر إذا كان في طاعة كلله علي أن أعتق أو أن أصلي، وأما إذا كان قي حرام أو مكروه أو مباح فلا نذر، وترك الكلام يفضي إلى التهاجر وهو حرام أو مكروه‏.‏

وأجاب الطبري بأن المحرم إنما هو ترك السلام فقط، وإن الذي صدر من عائشة ليس فيه أنها امتنعت من السلام على ابن الزبير ولا من رد السلام عليه لما بدأها بالسلام، وأطال في تقرير ذلك وجعله نظير من كانا في بلدين لا يجتمعان ولا يكلم أحدهما الآخر وليسا مع ذلك متهاجرين، قال‏:‏ وكانت عائشة لا تأذن لأحد من الرجال عليها إلا بإذن، ومن دخل كان بينه وبينها حجاب إلا إن كان ذا محرم منها، ومع ذلك لا يدخل عليها حجابها إلا بإذنها، فكانت في تلك المدة منعت ابن الزبير من الدخول عليها، كذا قال، ولا يخفى ضعف المأخذ الذي سلكه من أوجه لا فائدة للإطالة بها، والصواب ما أجاب به غيره أن عائشة رأت ابن الزبير ارتكب بما قال أمرا عظيما وهو قوله لأحجرن عليها، فإن فيه تنقيصا لقدرها ونسبة لها إلى ارتكاب ما لا يجوز من التبذير الموجب لمنعها من التصرف فيما رزقها الله تعالى، مع ما انضاف إلى ذلك من كونها أم المؤمنين وخالته أخت أمه ولم يكن أحد عندها في منزلته كما تقدم التصريح به في أوائل مناقب قريش، فكأنها رأت أن في ذلك الذي وقع منه نوع عقوق، والشخص يستعظم ممن يلوذ به مالا يستعظمه من الغريب، فرأت أن مجازاته على ذلك بترك مكالمته، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه عقوبة لهم لتخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر، ولم يمنع من كلام من تخلف عنها من المنافقين مؤاخذة للثلاثة لعظيم منزلتهم وازدراء بالمنافقين لحقارتهم، فعلى هذا يحـمل ما صدر من عائشة‏.‏

وقد ذكر الخطابي أن هجر الوالد ولده والزوج زوجته ونحو ذلك لا يتضيق بالثلاث، واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهرا، وكذلك ما صدر من كثير من السلف في استجازتهم ترك مكالمة بعضهم بعضا مع علمهم بالنهي عن المهاجرة‏.‏

ولا يخفى أن هنا مقامين أعلى وأدنى، فالأعلى اجتناب الإعراض جملة فيبذل السلام والكلام والمواددة بكل طريق، والأدنى الاقتصار على السلام دون غيره، والوعيد الشديد إنما هو لمن يترك المقام الأدنى، وأما الأعلى فمن تركه من الأجانب فلا يلحقه اللوم، بخلاف الأقارب فإنه يدخل فيه قطيعة الرحم، وإلى هذا أشار ابن الزبير في قوله ‏"‏ فإنه لا يحل لها قطيعتي ‏"‏ أي إن كانت هجرتي عقوبة على ذنبي فليكن لذلك أمد، وإلا فتأييد ذلك يفضي إلى قطيعة الرحم، وقد كانت عائشة علمت بذلك لكنها تعارض عندها هذا والنذر الذي التزمته، فلما وقع من اعتذار ابن الزبير واستشفاعه ما وقع رجح عندها ترك الإعراض عنه، واحتاجت إلى التكفير عن نذرها بالعتق الذي تقدم ذكره، ثم كانت بعد ذلك يعرض عندها شك في أن التكفير المذكور لا يكفيها فتظهر الأسف على ذلك إما ندما على ما صدر منها من أصل النذر المذكور وإما خوفا من عاقبه ترك الوفاء به، والله أعلم‏.‏

*3*باب مَا يَجُوزُ مِنْ الْهِجْرَانِ لِمَنْ عَصَى

وَقَالَ كَعْبٌ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا وَذَكَرَ خَمْسِينَ لَيْلَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يجوز من الهجران لمن عصى‏)‏ أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز، لأن عموم النهي مخصوص بمن لم يكن لهجره سبب مشروع، فتبين هنا السبب المسوغ للهجر وهو لمن صدرت منه معصية، فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال كعب‏)‏ أي ابن مالك الأنصاري ‏(‏حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ونهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا، وذكر خمسين ليلة‏)‏ وهذا طرف من الحديث الطويل، وقد تقدم شرحه مستوفى في أواخر المغازي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ قَالَتْ قُلْتُ وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ قَالَتْ قُلْتُ أَجَلْ لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلَّا اسْمَكَ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ إني لأعرف غضبك ورضاك ‏"‏ وقد تقدم شرحه في باب غيرة النساء ووجدهن في كتاب النكاح، قال المهلب‏:‏ غرض البخاري في هذا الباب أن يبين صفة الهجران الجائز، وأنه يتنوع بقدر الجرم، فمن كان من أهل العصيان يستحق الهجران بترك المكالمة كما في قصة كعب وصاحبيه، وما كان من المغاضبة بين الأهل والإخوان فيجوز الهجر فيه بترك التسمية مثلا أو بترك بسط الوجه مع عدم هجر السلام والكلام‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ لعله أراد قياس هجران من يخالف الأمر على هجران اسم من يخالف الأمر الطبيعي‏.‏

وقال الطبري‏:‏ قصة كعب بن مالك أصل هو هجران أهل المعاصي، وقد استشكل كون هجران الفاسق أو المبتدع مشروعا ولا يشرع هجران الكافر وهو أشد جرما منهما لكونهما من أهل التوحيد في الجملة، وأجاب ابن بطال بأن لله أحكاما فيها مصالح للعباد وهو أعلم بشأنها وعليهم التسليم لأمره فيها، فجنح إلى أنه تعبد لا يعقل معناه‏.‏

وأجاب غيره بأن الهجران على مرتبتين‏:‏ الهجران بالقلب، والهجران باللسان‏.‏

فهجران الكافر بالقلب وبترك التودد والتعاون والتناصر، لا سيما إذا كان حربيا وإنما لم يشرع هجرانه بالكلام لعدم ارتداعه بذلك عن كفره، بخلاف العاصي المسلم فإنه ينزجر بذلك غالبا، ويشترك كل من الكافر والعاصي في مشروعية مكالمته بالدعاء إلى الطاعة، والأمر المعروف والنهي عن المنكر، وإنما المشروع ترك المكالمة بالموادة ونحوها‏.‏

قال عياض‏:‏ إنما اغتفرت مغاضبة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم مع ما في ذلك من الحرج - لأن الغضب على النبي صلى الله عليه وسلم معصية كبيرة - لأن الحامل لها على ذلك الغيرة التي جبلت عليها النساء، وهي لا تنشأ إلا عن فرط المحبة، فلما كان الغضب لا يستلزم البغض اغتفر، لأن البغض هو الذي يفضي إلى الكفر أو المعصية، وقد دل قولها ‏"‏ لا أهجر إلا اسمك ‏"‏ على أن قلبها مملوء بمحبته صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أجل‏)‏ بوزن نعم ومعناه‏.‏

وقال الأخفش‏:‏ إلا أن نعم أحسن من أجل في جواب الاستفهام، وأجل أحسن من نعم في التصديق‏.‏

قلت‏:‏ وهي في هذا الحديث على وفق ما قال‏.‏

*3*باب هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يزور صاحبه كل يوم، أو بكرة وعشيا‏)‏ قيل‏:‏ العشي من الزوال إلى العتمة وقيل إلى الفجر فقال ابن فارس‏:‏ العشاء بالفتح والمد الطعام وبالكسر من الزوال إلى العتمة، والعشي من الزوال إلى الفجر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ قَالَ إِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي بِالْخُرُوجِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو ابن يوسف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن معمر وقال الليث حدثني عقيل‏)‏ وفي بعض النسخ ح ‏"‏ وقال الليث ‏"‏ وهذا التعليق سبق مطولا في ‏"‏ باب الهجرة إلى المدينة ‏"‏ موصولا عن يحيى بن بكير عن الليث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن شهاب فأخبرني عروة‏)‏ كأن هذا سياق معمر، وكأنه كان عنده قبل قوله ‏"‏ لم أعقل أبوي ‏"‏ كلام آخر فعطف هذا عليه‏.‏

وقد وقع عند أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب ‏"‏ قال وأخبرني ‏"‏ كذا رأيته فيه بالواو، وأما رواية عقيل فلفظه في ‏"‏ باب الهجرة إلى المدينة ‏"‏ عن ابن شهاب ‏"‏ أخبرني عروة عن عائشة قالت ‏"‏ لم أعقل الخ ‏"‏ وقد استشكل كون أبي بكر كان يحوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يتكلف المجيء إليه وكان يمكنه هو أن يفعل ذلك، وأجاب ابن التين بأنه لم يكن يجيء إلى أبي بكر لمجرد الزيارة بل لما يتزايد عنده من علم الله، ولم يتضح لي هذا الجواب، ويحتمل أن يقال‏:‏ إنه ليس في الخير ما يمنع أن أبا بكر كان يجيء إليه صلى الله عليه وسلم في الليل والنهار أكثر من مرتين، ويحتمل أن يقال‏:‏ كان سبب ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء إلى بيت أبي بكر يأمن من أذى المشركين بخلاف ما لو جاء أبو بكر إليه‏.‏

ويحتمل أن يكون منزل أبي بكر كان بين بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبين المسجد فكان يمر به والمقصود المسجد وكان يشهده كلما مر به، وقد تقدم شرح الحديث مستوفى بطوله في ‏"‏ باب الهجرة إلى المدينة ‏"‏ وكأن البخاري رمز بالترجمة إلى توهين الحديث المشهور ‏"‏ زر غبا تزدد حبا ‏"‏ وقد ورد من طرق كثرها غرائب لا يخلو واحد منها من مقال، وقد جمع طرقه أبو نعيم وغيره، وجاء من حديث علي وأبي ذر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وأبي برزة وعبد الله بن عمر وأنس وجابر وحبيب بن مسلمة ومعاوية بن حيدة، وقد جمعتها في جزء مفرد، وأقوى طرقه ما أخرجه الحاكم في ‏"‏ تاريخ نيسابور ‏"‏ والخطيب في ‏"‏ تاريخ بغداد ‏"‏ والحافظ أبو محمد بن السقاء في فوائده من طريق أبي عقيل يحيى بن حبيب بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي ثابت عن جعفر بن عون عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وأبو عقيل كوفي مشهور بكنيته، قاله ابن أبي حاتم‏:‏ سمع منه أبي وهو صدوق، وذكر ابن حبان في الثقات وقال‏:‏ ربما أخطأ وأغرب‏.‏

قلت‏:‏ واختلف عليه في رفعه ووقفه، وقد رفعه أيضا يعقوب بن شيبة عن جعفر بن عون رويناه في ‏"‏ فوائد أبي محمد بن السقاء ‏"‏ أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جده يعقوب، واختلف فيه على جعفر بن عون فرواه عبد بن حميد في تفسيره عنه عن أبي حبان الكلبي عن عطاء عن عبيد بن عمير موقوفا في قصة له مع عائشة، وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال ‏"‏ دخلت أنا وعبيد على عائشة فقالت‏:‏ يا عبيد بن عمير ما يمنعك أن تزورنا‏؟‏ قال‏:‏ قول الأول زر غبا تزدد حبا‏.‏

فقال عند الله بن عمير‏:‏ دعونا من بطالتكم هذه وأخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت الحديث في صلاته صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وذكر أبو عبيد في الأمثال بأنه من أمثال العرب، وكان هذا الكلام شائعا في المتقدمين، فرويناه في فوائد أبي محمد السقاء قال انشدونا لهلال بن العلاء‏:‏ الله يعلم أنني لك أخلص الثقلين قلبا لكن لقول نبينا زوروا على الأيام غلبا ولقوله من زار غبا منكم يزداد حبا قلت‏:‏ وكان يمكنه أن يوجز فيقول‏:‏ ‏"‏ لكن لقول نبينا من زار غبا زاد حبا‏"‏‏.‏

وقد أنشدونا لأبي محمد بن هارون القرطبي راوي الموطأ‏:‏ أقل زيارة الإخوان تزدد عندهم قربا‏.‏

فإن المصطفى قد قال زر غبا تزد حبا قلت ولا منافاة بين هذا الحديث وحديث الباب لأن عمومه يقبل التخصيص فيحمل على من ليست له خصوصية مودة ثابتة فلا ينقص كثرة زيارته من منزلته‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ الصديق الملاطف لا يزيده كثرة الزيارة إلا محبة، بخلاف غيره‏.‏

*3*باب الزِّيَارَةِ وَمَنْ زَارَ قَوْماً فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ

وَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَ عِنْدَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الزيارة‏)‏ أي مشروعيتها ‏(‏ومن زار قوما فطعم عندهم‏)‏ أي من تمام الزيارة أن يقدم‏.‏

للزائر ما حضر، قاله ابن بطال، وهو مما يثبت المودة ويزيد في المحبة‏.‏

قلت‏:‏ وقد ورد في ذلك حديث أخرجه الحاكم وأبو يعلى من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير قال ‏"‏ دخل على جابر نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقدم إليهم خبزا وخلا فقال‏:‏ كلوا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ نعم الإدام الخل‏.‏

إنه هلاك بالرجل أن يدخل إليه النفر من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليهم، وهلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم‏"‏‏.‏

وورد في فضل الزيارة أحاديث‏:‏ منها عند الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان من حديث أبي هريرة رفعه ‏"‏ من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا ‏"‏ وله شاهد عند البزار من حديث أنس بسند جيد، وعند مالك وصححه ابن حبان من حديث معاذ بن جبل مرفوعا ‏"‏ حقت محبتي للمتزاورين في ‏"‏ الحديث وأخرجه أحمد بسند صحيح من حديث عتبان بن مالك، وعند الطبراني من حديث صفوان بن عسال رفعه ‏"‏ من زار أخاه المؤمن خاض في الرحمة حتى يرجع‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزار سلمان أبا الدرداء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأكل عنده‏)‏ هو طرف من حديث لأبي جحيفة تقدم مستوفى مشروحا في كتاب الصيام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَاماً فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنْ الْبَيْتِ فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الوهاب‏)‏ هو ابن عبد المجيد الثقفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زار أهل بيت من الأنصار‏)‏ هم أهل عتبان بن مالك كما مضى من وجه آخر عن أنس بن سيرين بأتم من هذا السياق وأوله ‏"‏ قال رجل من الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم إني لا أستطيع الصلاة معك، وصنع طعاما ‏"‏ الحديث، وأورده في صلاة الضحى وقصة عتبان وطلبه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته قد تقدمت في الصلاة أيضا مطولة‏.‏

وفيها أنه صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى في بيته تأخر حتى أكل عندهم، وفيه قصة مالك بن الدخشم، ووقع له صلى الله عليه وسلم نحو القصة التي في هذا الباب في بيت أبي طلحة كما سيأتي في ‏"‏ باب كنية الصبي ‏"‏ من طريق أبي التياح عن أنس، فإن فيه ذكر البساط ونضحه، لكن ليس فيه ذكر الطعام، نعم في رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته، وفيه ذكر نضح الحصير والصلاة بهم لكن ليس في أوله القصة التي في رواية أنس بن سيرين عن أنس أن الرجل قالا ‏"‏ لا أستطيع الصلاة معك ‏"‏ فإن هذا القدر مختص بقصة عتبان، فتعين الحمل عليه، ووهم من رجح أنه بيت أبي طلحة، وفي الحديث استحباب الزيارة ودعاء الزائر لمن زاره وطعم عنده‏.‏

*3*باب مَنْ تَجَمَّلَ لِلْوُفُودِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من تجمل للوفود‏)‏ أي حسن هيئته بالملبوس ونحوه لمن يقدم عليه، والوفود جمع وافد وهو من يقدم على من له أمر أو سلطان زائرا أو مسترفدا والمراد من قول عمر ‏"‏ للوفود ‏"‏ من كان يرد على النبي صلى الله عليه وسلم ممن يرسلهم قبائلهم يبايعون لهم على الإسلام ويتعلمون أمور الدين حتى يعلموهم، وإنما أورد الترجمة بصورة الاستفهام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عمر، فالظاهر أنه إنما أنكر لبس الحرير بقرينة قوله ‏"‏ إنما يلبس هذه ‏"‏ ولم ينكر أصل التجمل، لكنه محتمل مع ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ قَالَ لِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَا الْإِسْتَبْرَقُ قُلْتُ مَا غَلُظَ مِنْ الدِّيبَاجِ وَخَشُنَ مِنْهُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ رَأَى عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ فَأَتَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْتَرِ هَذِهِ فَالْبَسْهَا لِوَفْدِ النَّاسِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ فَقَالَ إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فَمَضَى مِنْ ذَلِكَ مَا مَضَى ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِحُلَّةٍ فَأَتَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ وَقَدْ قُلْتَ فِي مِثْلِهَا مَا قُلْتَ قَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا مَالاً فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ لِهَذَا الْحَدِيثِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في قصة حلة عطارد، وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب اللباس‏.‏

وعبد الصمد في سنده هو ابن عبد الوارث‏.‏

وقوله ‏"‏وخشن ‏"‏ بفتح الخاء وضم الشين المعجمتين للأكثر، ولبعضهم بالمهملتين، وشاهد الترجمة منه قول عمر ‏"‏ تجمل بها للوفود ‏"‏ وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك‏.‏

وقد اعترضها الداودي فقال‏:‏ كان ينبغي أن يقول التجمل للوفود لأنه لا يقال فعل كذا إلا لمن صدر منه الفعل، وليس في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وجوابه أن معنى الترجمة من فعل ذلك متمسكا بما دل عليه الحديث المذكور، وقوله في آخر الحديث ‏"‏ وكان ابن عمر يكره العلم في الثوب لهذا الحديث ‏"‏ قال الخطابي‏:‏ مذهب ابن عمر في هذا مذهب الورع، وكان ابن عباس يقول في روايته ‏"‏ إلا علما في ثوب ‏"‏ وذلك لأن مقدار العلم لا يقع عليه اسم اللبس، قال‏:‏ ولو أن رجلا حلف لا يلبس غزل فلانة فأخذ ثوبا فنسج فيه من غزلها ومن غزل غيرها وكان الذي من غزلها لو انفرد لم يبلغ إذا نسج أنه يحصل منه شيء مما يقع على مثله اسم اللبس لم يحنث، كذا قال، وقد تقدم في كتاب اللباس من رواية أبي عثمان عن عمر في النهي عن لبس الحرير، ‏"‏ إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع ‏"‏ وتقدم شرح ذلك مستوفى هناك‏.‏

*3*باب الْإِخَاءِ وَالْحِلْفِ

وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الإخاء والحلف‏)‏ بكسر المهملة وسكون اللام وبفتح المهملة وكسر اللام هو المعاهدة، وقد تقدم بيانها في أوائل الهجرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء‏)‏ هو طرف من الحديث الذي أشرت إليه في الباب الذي قبله، وقد تقدم في ‏"‏ باب الهجرة إلى المدينة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم آخى بين الصحابة‏.‏

وأخرج أحمد والبخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ بسند صحيح عن أنس قال ‏"‏ آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين ابن مسعود والزبير ‏"‏ والأحاديث في ذلك كثيرة شهيرة، وذكر غير واحد أنه آخى صلى الله عليه وسلم بين أصحابه مرتين مرة بين المهاجرين فقط ومرة بين المهاجرين والأنصار‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الرحمن بن عوف‏:‏ لما قدمنا المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة‏)‏ هذا طرف من حديث تقدم موصولا في فضائل الأنصار، وقدمت شيئا يتعلق به في أبواب الوليمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل بن زكريا‏)‏ لمحمد بن الصباح فيه شيخ آخر، فإن مسلما أخرجه عنه عن حفص بن غياث عن عاصم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عاصم‏)‏ هو ابن سليمان الأحول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت لأنس بن مالك أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا حلف في الإسلام فقال‏:‏ قد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري‏)‏ ووقع في رواية أبي داود من رواية سفيان بن عيينة عن عاصم قال ‏"‏ سمعت أنس بن مالك يقول حالف ‏"‏ فذكره بلفظ المهاجرين بدل قريش، فقيل له أليس قال لا حلف في الإسلام‏؟‏ قال‏:‏ قد حالف فذكر مثله وزاد مرتين أو ثلاثا، وأخرجه مسلم بنحوه مختصرا، وعرف من رواية الباب تسمية السائل عن ذلك، وذكره الصنف في الاعتصام مختصرا خاليا عن السؤال وزاد في آخره ‏"‏ وقنت شهرا يدعو على أحياء من بني سليم ‏"‏ وحديث القنوت من طريق عاصم مضى في الوتر وغيره‏.‏

وأما الحديث المسئول عنه فهو حديث صحيح أخرجه مسلم عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة ‏"‏ وأخرجه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولفظه وأخرج البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ عن عبد الله بن أبي أوفى نحوه باختصار‏.‏

وأخرج أيضا أحمد وأبو يعلى وصححه ابن حبان والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعا ‏"‏ شهدت مع عمومتي حلف المطيبين، فما أحب أن أنكثه ‏"‏ وحلف المطيبين كان قبل المبعث بمدة، ذكره ابن إسحاق وغيره، وكان جمع من قريش اجتمعوا فتعاقدوا على أن ينصروا المظلوم وينصفوا بين الناس ونحو ذلك من خلال الخير، واستمر ذلك بعد المبعث، ويستفاد من حديث عبد الرحمن بن عوف أنهم استمروا على ذلك في الإسلام، وإلى ذلك الإشارة في حديث جبير بن مطعم‏.‏

وتضمن جواب أنس إنكار صدر الحديث لأن فيه نفي الحلف وفيما قاله هو إثباته، ويمكن الجمع بأن المنفي ما كانوا يعتبرونه في الجاهلية من نصر الحليف ولو كان ظالما ومن أخذ الثأر من القبيلة بسبب قتل واحد منها ومن التوارث ونحو ذلك، والمثبت ما عدا ذلك من نصر المظلوم والقيام في أمر الدين ونحو ذلك من المستحبات الشرعية كالمصادقة والمواددة وحفظ العهد، وقد تقدم حديث ابن عباس في نسخ التوارث بين المتعاقدين، وذكر الداودي أنهم كانوا يورثون الحليف السدس دائما فنسخ ذلك‏.‏

وقال ابن عيينة‏:‏ حمل العلماء قول أنس ‏"‏ حالف ‏"‏ على المؤاخاة‏.‏

قلت‏:‏ لكن سياق عاصم عنه يقتضي أنه أراد المحالفة حقيقة، وإلا كان الجواب مطابقا، وترجمة البخاري طاهرة في المغايرة بينهما وتقدم في الهجرة إلى المدينة ‏"‏ باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ‏"‏ وذكر الحديثين المذكورين هنا أولا ولم يذكر حديث الحلف، وتقدم ما يتعلق بالمؤاخاة هناك‏.‏

قال النووي‏:‏ المنفي حلف التوارث وما يمنع منه الشرع، وأما التحالف على طاعة الله ونصر المظلوم والمؤاخاة في الله تعالى فهو أمر مرغب فيه‏.‏

*3*باب التَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ

وَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكْتُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التبسم والضحك‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ التبسم مبادئ الضحك، والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة وإلا فهو الضحك، وإن كان بلا صوت فهو التبسم، وتسمى الأسنان في مقدم الفم الضواحك وهي الثنايا والأنياب وما يليها وتسمى النواجذ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقالت فاطمة أسر إلي النبي صلى الله عليه وسلم فضحكت‏)‏ هو من طرف من حديث لعائشة عن فاطمة عليها السلام مر بتمامه وشرحه في الوفاة النبوية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ إن الله هو أضحك وأبكى‏)‏ أي خلق في الإنسان الضحك والبكاء، وهذا طرف من حديث لابن عباس تقدم في الجنائز، وأشار فيه ابن عباس - بجواز البكاء بغير نياحة - إلى قوله تعالى في سورة النجم ‏(‏وأنه هو أضحك وأبكى‏)‏ ثم ذكر في الباب تسعة أحاديث تقدم أكثرها وفي جميعها ذكر التبسم أو الضحك، وأسبابها مختلفة لكن أكثرها للتعجب، وبعضها للإعجاب، وبعضها للملاطفة‏:‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَبَتَّ طَلَاقَهَا فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ فَجَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ لِهُدْبَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ جِلْبَابِهَا قَالَ وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ بِبَابِ الْحُجْرَةِ لِيُؤْذَنَ لَهُ فَطَفِقَ خَالِدٌ يُنَادِي أَبَا بَكْرٍ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَا تَزْجُرُ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّبَسُّمِ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة امرأة رفاعة، والغرض منه قولها فيه ‏"‏ وما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم ‏"‏ وقد مر شرحه مستوفى في كتاب الصلاة، وقوله فيه ‏"‏ وابن سعيد بن العاص جالس ‏"‏ وقع في رواية الأصيلي عن الجرجاني ‏"‏ وسعيد بن العاص ‏"‏ والصواب الأول وهو خالد وقد وقع مسمى فيما مضى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ فَقَالَ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَقَالَ عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي لَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ فَقَالَ أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ فَقَالَ يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ أَتَهَبْنَنِي وَلَمْ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ إِنَّكَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيهٍ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكاً فَجّاً إِلَّا سَلَكَ فَجّاً غَيْرَ فَجِّكَ

الشرح‏:‏

حديث سعد ‏"‏ استأذن عمر ‏"‏ تقدم شرحه مستوفى في مناقب عمر، والغرض منه قوله ‏"‏ والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال‏:‏ أضحك الله سنك ‏"‏ ويستفاد منه ما يقال للكبير إذا ضحك، وإسماعيل شيخه فيه هو ابن أبي أويس كما جزم به المزي‏.‏

وقال أبو علي الجياني‏:‏ لعله ابن أبى أويس‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم في فضائل الأنصار حديث قال فيه البخاري ‏"‏ حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد ‏"‏ وإسماعيل هذا هو ابن أبي أويس جزما، وهو يؤيد ما جزم به المزي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّائِفِ قَالَ إِنَّا قَافِلُونَ غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَبْرَحُ أَوْ نَفْتَحَهَا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ قَالَ فَغَدَوْا فَقَاتَلُوهُمْ قِتَالاً شَدِيداً وَكَثُرَ فِيهِمْ الْجِرَاحَاتُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا قَافِلُونَ غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ فَسَكَتُوا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِالْخَبَرِ كُلِّهِ

الشرح‏:‏

حديث عمرو هو ابن دينار عن أبي العباس وهو الشاعر عن عبد الله بن عمر‏.‏

كذا للأكثر بضم العين، وللحموي وحده هنا ‏"‏ عمرو ‏"‏ بفتحها والصواب الأول، وقد تقدم بيانه في غزوة الطائف مع شرح الحديث، والغرض منه هنا قوله ‏"‏ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ لا نبرح أو نفتحها ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ ضبطناه بالرفع والصواب النصب، لأن ‏"‏ أو ‏"‏ إذا كانت بمعنى ‏"‏ حتى ‏"‏ أو ‏"‏ إلى إن ‏"‏ نصبت وهي هنا كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الحميدي حدثنا سفيان بالخبر كله‏)‏ تقدم بيان من وصله في غزوة الطائف، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ حدثنا سفيان كله بالخبر ‏"‏ والمعني أنه ذكر بصريح الأخبار في جميع السند لا بالعنعنة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلَكْتُ وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ أَعْتِقْ رَقَبَةً قَالَ لَيْسَ لِي قَالَ فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ قَالَ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِيناً قَالَ لَا أَجِدُ فَأُتِيَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْعَرَقُ الْمِكْتَلُ فَقَالَ أَيْنَ السَّائِلُ تَصَدَّقْ بِهَا قَالَ عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي وَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ فَأَنْتُمْ إِذاً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا موسى‏)‏ هو ابن إسماعيل وإبراهيم هو ابن سعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا ابن شهاب‏)‏ هذا إنما سمعه إبراهيم بن سعد من الزهري، وقد سبق في الحديث الثاني أنه روى عنه بواسطة صالح بن كيسان بينهما‏.‏

وقصة المجامع في رمضان تقدم شرحها في كتاب الصيام، وقوله فيه ‏"‏ قال إبراهيم ‏"‏ هو ابن سعد وهو موصول بالسند المذكور، وقوله ‏"‏والعرق المكتل ‏"‏ فيه بيان لما أدرجه غيره فجعل تفسير العرق من نفس الحديث، والغرض منه قوله ‏"‏ فضحك حتى بدت نواجذه ‏"‏ والنواجذ جمع ناجذة بالنون والجيم والمعجمة هي الأضراس، ولا تكاد تظهر إلا عند المبالغة في الضحك، ولا منافاة بينه وبين حديث عائشة ثامن أحاديث الباب ‏"‏ ما رأيته صلى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته ‏"‏ لأن المثبت مقدم على النافي قاله ابن بطال، وأقوى منه أن الذي نفته غير الذي أثبته أبو هريرة، ويحتمل أن يريد بالنواجذ الأنياب مجازا أو تسامحا وبالأنياب مرة فقد تقدم في الصيام في هذا الحديث بلفظ ‏"‏ حتى بدت أنيابه ‏"‏ والذي يظهر من مجموع الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان في معظم أحواله لا يزيد على التبسم، وربما زاد على ذلك فضحك، والمكروه من ذلك إنما هو الإكثار منه أو الإفراط فيه لأنه يذهب الوقار، قال ابن بطال‏:‏ والذي ينبغي أن يقتدى به من فعله ما واظب عليه من ذلك، فقد روى البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ وابن ماجه من وجهين عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً قَالَ أَنَسٌ فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏مالك‏)‏ قال الدار قطني لم أر هذا الحديث عند أحد من رواة الموطأ إلا عند يحيى بن بكير ومعن بن عيسى، ورواه جماعة من رواة الموطأ عن مالك لكن خارج الموطأ، وزاد ابن عبد البر أنه رواه في الموطأ أيضا مصعب بن عبد الله الزبيري وسليمان بن صرد‏.‏

قلت‏:‏ ولم يخرجه البخاري إلا من رواية مالك، وأخرجه مسلم أيضا من رواية الأوزاعي ومن رواية همام ومن رواية عكرمة بن عمار كلهم عن إسحاق بن أبي طلحة، وساقه على لفظ مالك وبين بعض غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت أمشي‏)‏ في رواية الأوزاعي ‏"‏ أدخل المسجد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعليه برد‏)‏ في رواية الأوزاعي ‏"‏ رداء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نجراني‏)‏ بفتح النون وسكون الجيم نسبة إلى نجران بلد معروف بين الحجاز واليمن، وتقدم في أواخر المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غليظ الحاشية‏)‏ في رواية الأوزاعي ‏"‏ الصنفة ‏"‏ بفتح المهملة وكسر النون بعدها فاء وهي طرف الثوب مما يلي طرته‏.‏

قوله ‏(‏فأدركه أعرابي‏)‏ زاد همام ‏"‏ من أهل البادية ‏"‏ وفي رواية الأوزاعي ‏"‏ فجاء أعرابي من خلفه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجبذ‏)‏ بفتح الجيم والموحدة بعدها ذال معجمة‏.‏

وفي رواية الأوزاعي ‏"‏ فجذب ‏"‏ وهي بمعنى جبذ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جبذة شديدة‏)‏ في رواية عكرمة ‏"‏ حتى رجع النبي صلى الله عليه وسلم في نحر الأعرابي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أنس فنظرت إلى صفحة عاتق‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ عنق ‏"‏ وكذا عند جميع الرواة عن مالك، وكذا في رواية الأوزاعي‏.‏

قوله ‏(‏أثرت فيها‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ بها ‏"‏ وكذا لمسلم من رواية مالك‏.‏

وفي رواية همام ‏"‏ حتى انشق البرد وذهبت حاشيته في عنقه ‏"‏ وزاد أن ذلك وقع من الأعرابي لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى حجرته، ويجمع بأنه لقيه خارج المسجد فأدركه لما كاد يدخل فكلمه أو مسك بثوبه لما دخل، فلما كاد يدخل الحجرة خشي أن يفوته فجبذه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مر لي‏)‏ في رواية الأوزاعي ‏"‏ أعطنا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فضحك‏)‏ في رواية الأوزاعي ‏"‏ فتبسم ثم قال مروا له ‏"‏ وفي رواية همام ‏"‏ وأمر له بشيء ‏"‏ وفي الحديث بيان حلمه صلى الله عليه وسلم وصبره على الأذى في النفس والمال والتجاوز على جفاء من يريد تألفه على الإسلام، وليتأسى به الولاة بعده في خلقه الجميل من الصفح والإغضاء والدفع بالتي هي أحسن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِياً مَهْدِيّاً

الشرح‏:‏

حديث جرير وهو ابن عبد الله البجلي، وابن نمير هو محمد بن عبد الله بن نمير، وابن إدريس هو عبد الله، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، والجميع كوفيون، والغرض منه قوله ‏"‏ ولا رآني إلا تبسم ‏"‏ وتقدم في المناقب بلفظ ‏"‏ إلا ضحك ‏"‏ وهما متقاربان، والتبسم أوائل الضحك كما تقدم، وبقية شرحه هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ قَالَ نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ أَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِمَ شَبَهُ الْوَلَدِ

الشرح‏:‏

حديث أم سلمة في سؤال أم سليم ‏"‏ هل على المرأة من غسل ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الطهارة، والغرض منه قوله ‏"‏ فضحكت أم سلمة ‏"‏ لوقوع ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليها ضحكها وإنما أنكر عليها إنكارها احتلام المرأة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعاً قَطُّ ضَاحِكاً حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عمرو‏)‏ هو ابن الحارث المصري، وأبو النضر هو سالم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مستجمعا قط ضاحكا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ مستجمعا ضحكا ‏"‏ أي مبالغا في الضحك لم يترك منه شيئا، يقال استجمع السيل‏:‏ اجتمع من كل موضع، واستجمعت للمرء أموره‏:‏ اجتمع له ما يحبه، فعلى هذا قوله ‏"‏ ضاحكا ‏"‏ منصوب على التمييز وإن كان مشتقا مثل لله دره فارسا أي ما رأيته مستجمعا من جهة الضحك بحيث يضحك ضحكا تاما مقبلا بكليته على الضحك، واللهوات بفتح اللام والهاء جمع لهاة وهي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم، وهذا القدر المذكور طرف من حديث تقدم بتمامه وشرحه في تفسير سورة الأحقاف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ ح و قَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ قَحَطَ الْمَطَرُ فَاسْتَسْقِ رَبَّكَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَمَا نَرَى مِنْ سَحَابٍ فَاسْتَسْقَى فَنَشَأَ السَّحَابُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ مُطِرُوا حَتَّى سَالَتْ مَثَاعِبُ الْمَدِينَةِ فَمَا زَالَتْ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ مَا تُقْلِعُ ثُمَّ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ غَرِقْنَا فَادْعُ رَبَّكَ يَحْبِسْهَا عَنَّا فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَصَدَّعُ عَنْ الْمَدِينَةِ يَمِيناً وَشِمَالاً يُمْطَرُ مَا حَوَالَيْنَا وَلَا يُمْطِرُ مِنْهَا شَيْءٌ يُرِيهِمْ اللَّهُ كَرَامَةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجَابَةَ دَعْوَتِهِ

الشرح‏:‏

حديث أنس في قصة الذي طلب الاستقاء ثم الاستصحاء والغرض منه ضحكه صلى الله عليه وسلم عند قول القائل ‏"‏ غرقنا ‏"‏ أورده من وجهين عن قتادة، وساقه هنا على لفظ سعيد بن أبي عروبة، وساقه في الدعوات على لفظ أبي عوانة، ومحمد بن محبوب شيخه هو أبو عبد الله البنائي البصري، وهو غير محمد بن الحسن الذي لقيه محبوب، ووهم من وحدهما كشيخنا ابن الملقن فإنه جزم بذلك وعم أن البخاري روى عنه هنا وروى عن رجل عنه، وليس كذلك بل هما اثنان أحدهما في عداد شيوخ الآخر، وشيخ البخاري اسمه محمد واسم أبيه محبوب والآخر اسمه محمد واسم أبيه الحسن ومحبوب لقب محمد لا لقب الحسن، وقد أخرج له البخاري في كتاب الأحكام حديثا واحدا قال فيه ‏"‏ حدثنا محبوب بن الحسن ‏"‏ وسبب الوهم أنه وقع في بعض الأسانيد ‏"‏ حدثنا محمد بن الحسن محبوب ‏"‏ فظنوا أنه لقب الحسن وليس كذلك‏.‏